بسم الله الرحمن الرحيم
مختصر العدالة الاجتماعية في الاقتصاد الإسلامي
الاقتصاد في الإسلام لا ينفصل ولا يتجزأ عن كلية وشمول الإسلام لضروب الحياة المختلفة، وجوانبها العديدة بشريعته وعقيدته على السواء.
قوله تعالى: وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً
وقال تعالى: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً الإسراء
قول النبي : [كُلُوا وَاشْرَبُوا وَالْبَسُوا وَتَصَدَّقُوا في غَيْرِ إِسْرَافٍ ولا مَخِيلَةٍ]،
وقال ابن عَبَّاس رضي الله عنهما : كُلْ ما شِئْتَ وَالْبَسْ واشرب ما شِئْتَ ما أَخْطَأَتْكَ اثْنَتَانِ سَرَفٌ أو مَخِيلَةٌ.
تحقيق العدالة الاجتماعية في الاقتصاد الإسلامي تظهر من خلال عدة مؤشرات وأدوات دينية ودنيوية.
ففي الجانب الديني هناك عبادات مفروضة تعمل على تحقيق العدالة في الجانب الاجتماعي كالزكاة، والكفارات والنفقات وغيرها، وتعتبر أدوات تحقيق التكافل من أكثر ما دعا إليها الشرعُ وحض عليها، كما أنّ إقامة التكافل وإشباع الحاجات للمحتاجين من مقاصد الشريعة.
إنَّ أهداف العدالة الاجتماعية في الاقتصاد الإسلامي تتمحور في تحقيق هدفين هما: 1- توفير حد الكفاية لأفراد المجتمع المسلم،
2- التخفيف من حدة التفاوت في المجتمع المسلم.
والعدالة في التوزيع تقوم على أساسينٍ:
1- العدالة في تكافؤ الفرص.
2- العدالة في استحقاق الحصول على عائد الإنتاج. من بُعدين:
أ- التمكين.
ب- القسمة
أنَّ الإسلام يقر نتائج أنشطة السوق ما دامت ملتزمة بأحكام الشريعة الإسلامية، ولكن هذا لا يعني أنه لن يقوم بإصلاح هذه النتائج، فهو يتدخل في نتائج توزيع الدخل لصالح الفقراء والأضعف، وكذلك له من الأدوات ما تعمل على إعادة توزيع الثروة، وهذه الحقيقة تظهر من خلال الجمع بين إقرار الحرية الاقتصادية مع مظاهر أهمية تحقيق العدالة السابقة.
إشباع الحاجات في الفكر الغربي:
هرم إبراهم واسلو:
1- مستوى الحاجات العضوية الفاسيولوجية التي يشترك فيها الإنسان والحيوان ويتوقف حياته على إشباعها كالأكل والشرب والإخراج.
2- حاجات الأمن الجسدي من الألم والإيذاء كالملابس والمسكن، والأمن المعنوي التي تدفعه إلى الاطمئنان على مستقبله.
3- الحاجات الاجتماعية مثل الرغبة في الانتماء.
4- حاجات التماس التقدير الاجتماعي.
5- الحاجات التي تحقق للفرد التعبير عن الذات. (بصمتك)
ولقياس الفقر يُستخدَمُ مؤشران:
الأول: مؤشرات الدخل.
والثاني: خطوط الفقر- وتُقسّم خطوط الفقر إلى خط الفقر وخط الفقر المدقع.
وخط الفقر (Poverty Line) يُعَرَّف بأنه: إجمالي تكلفة السلع المطلوبة لسد الاحتياجات الاستهلاكية الأساسية المطلوبة.
وخط الفقر المدقع (Poverty Line Extreme) يُعرَّف بأنه: الحد الأدنى الإجمالي لتكلفة السلع الغذائية الأساسية اللازمة لاستمرار الحياة، وحدده اقتصاديو البنك الدولي بـ (2250) سُعرة حرارية لكل فرد في اليوم.
إشباع الحاجات في الفكر الإسلامي:
الرؤية الإسلامية لإشباع الحاجات الإنسانية تنطلق من الحكمة من خلق الإنسان التي حددها الله عز وجل في قوله تعالى:وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ. وقال النبي :[ وفي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ قالوا يا رَسُولَ اللَّهِ أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ له فيها أَجْرٌ قال أَرَأَيْتُمْ لو وَضَعَهَا في حَرَامٍ أَكَانَ عليه فيها وِزْرٌ فَكَذَلِكَ إذا وَضَعَهَا في الْحَلَالِ كان له أَجْرًا"
وقال : يصبح على كل سلامي من أمتي صدقه.........
والاعتراف بالحاجة في الإسلام يقوم على شرطين:
الأول: هو أنْ تكون الحاجات انعكاسًا صادقًا لظروف المجتمع.
والثاني: أنْ يكون تعبيرُ الأفراد عن حاجتهم مؤديٍا إلى إنماء المجتمع.
وهذا يؤدي إلى إبعاد أي إسراف في استخدام موارد الإنتاج.
تترتب المصالح إلى ضرورية وحاجية وتحسينية :
أولا: الضروريات: وتقوم على حفظ أمور خمسة جاءت الشريعة بحفظها، وهي الدين والنفس والعقل والنسل والمال.
ثانياً: المصالح الحاجيَّةَ: وهي التي يحتاجها الناس لتأمين معاشهم بيسر وسهولة ، وإذا لم تتحقق واحدة منها أصاب الناس مشقة وعسر.
وثالثاً: المصالح التحسينية: وهي الأمور التي يقتضيها الأدب والمروءة ، ولا يصيب الناس بفقدها حرج ولا مشقة ، ولكن الكمال والفطرة يجدان فقدها.
هذا بالنسبة للإنسان أمَّا الحيوان" في كل كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ]،
[دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ في هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا فلم تُطْعِمْهَا ولم تَدَعْهَا تَأْكُلُ من خَشَاشِ الأرض].
إعادة التوزيع في مرحلة توفير حد الكفاف وحد الكفاية. وينقسمون إلى فئتين:
1. فئة يتميز أفرادها بالعجز والفاقة، ومنهم الفقراء والمساكين والمرضى والمقعدين والمكفوفين وكبار السن والمحتاجين واللقطاء.
2. فئة قد لا يتصف أفرادها بالفقر أو العجز، ولكنهم يحتاجون إلى المساعدة، ومنهم المدين والغارم، والقاتل خطأً، وأيضًا الأسرى وذوي القربى والجار والضيف، ومن شُرِعَ الإنفاق عليهم في حالات المجاعات والقحط والكوارث العامة كالزلازل والفيضانات والحرائق، أو في الإعانات العائلية كمساعدة الزواج، وعلاوات الأولاد.
رؤية الاقتصاد الإسلامي للطبقية الاجتماعية:
كقوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ [165: الأنعام
وإنْ كان من أهداف الإسلام الأولية القضاء على الطبقية الاجتماعية بمعناها السلبي، فليس من أهداف الإسلام القضاء على التفاوت في الثروة والدخل، وإنما إقامة التوازن الاقتصادي والاجتماعي - وهذا هو الفارق،.
فمثلا: تشريعات الإسلام تمنع من بقاء الثروة حكرًا على أفراد أو جهة معينة (كي لا تكون دولة)، ولكن لا تمنع من وصولها إلى أي فرد أو جهة وهذا فارق آخر.
والتوازن المطلوب هو توازن في مستوى المعيشة وليس مستوى الدخل، فالكل متاح له الحد الأدنى من المعيشة الكريمة (حد الكفاية)، بل ويجب كفالة هذا الحد من الدولة التي تمثله، وأيضًا متاح له طلب السعة في الرزق لا يمنعه مانع ما دام وفق حدود الشرع.
قال تعالى: إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ[النور/32]، وقال: سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا [الطلاق/7] وقال: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا [الطلاق/7]
وتحقيق هذه المسألة يستند إلى مبدأي الوسطية والعدل الَّذَيْنِ تقوم عليهما الشريعة الإسلامية، فأمَّا العدل فهو ميزان الله الذي وضعه في الأرض كما قال تعالى: وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ [الرحمن/7-9]. وأمَّا الوسطية فأصلها العام قوله: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا
قال :[اللهم إني أَعُوذُ بِكَ من الْفَقْرِ وَالْقِلَّةِ وَالذِّلَّةِ وَأَعُوذُ بِكَ من أَنْ أَظْلِمَ أو أُظْلَمَ ]
قال تعالى:وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا [الفرقان/67].
وفي إقرار الإسلام للتفاوت المنضبط مدعاة للعمل والتنافس لأنه يشحذ النفوس للعمل والإبداع والإنتاج والإتقان، وذلك يتفق مع فطرة البشر فكلما وجد الحافز والدافع كلما سعت وتاقت للعمل".
الغِنى مطلوبًا شرعًا وله مقاصد في الإسلام منها:
1. إشباع غريزة التملك.
2. إغناء الفرد نفسه ومن يعول، وحفظ ماء وجهه عن سؤال الناس.
3. المشاركة في بناء المجتمع.
4. تحصيل أجر الإنفاق.
على أن يتقيد بما يلي:
1- أنْ لا يكون الغنى سببًا للطغيان ومجاوزة الحد في معصية الله عز وجل.
2- أنْ يُصرف وفق مراد الله في المباحات بدون إسراف أو تبذير.
3- أنْ يُخرِج الغَنيُّ حقوقَ الله في المال من الزكاة وصدقة الفطر والكفارات.
4- وحقوق العباد من النفقات الواجبة وسداد الديون وتحمل الدية.
5- وكذا ما يجب عليه لمساندة المجتمع والدولة وإقامة المصالح وإعانة المحتاجين من أفراد المجتمع. فقد أمره الله بالإحسان إلى الفقراء والإنفاق عليهم، ومنها تزويجهم، ونَدب نَظَرته للمَدين إذا كان مُعسرًا
إذن رؤية الإسلام في الطبقية يفوق ما جاء عند الغربيين والفكر الغربي وحتي أجندة الأمم المتحدة التي كلما تضيف بندا يعزز العدالة الإجتماعية يجد الإسلام يسبقة ب 14 قرن من الزمان مما يعد إعجازا وتحقيقا لقوله تعالى: (ما فرطنا في الكتاب من شيئ)